نظرا لأهمية المصارف الإسلامية في الاقتصاد الحديث، فقد ترددت أسئلة جوهرية حول طبيعة عمل هذه المصارف : هل هي مجرد "وسيط" بين المدخرين ورجال الأعمال ، أم هي "تاجر" ينبغي أن يزاحم التجار ويناطح الأسواق ويساهم فعليا في الأنشطة التجارية ؟ وإذا كانت المصارف الإسلامية ـ عمليا ـ تضارب في أموال المدخرين من خلال المرابحة والاستصناع والإجارة ؟
وكنا قد تحدثنا في العدد الماضي عن مفهوم الربح والنماء فيه موضحين صحة الربح في المضاربة والشراكة وصور التمويل في البيع والتقسيط والعقود والأسهم والسندات وانتهينا بتوضيح مفهوم الربا وصلته الوثيقة في الربح كما تطرقنا لموضوع المصارف الإسلامية وكيفية احتسابها للأرباح والتوزيع والقسمة على أصحاب الحقوق. وسنستكمل في هذا العدد الرؤية الشرعية للأرباح والاستثمار المشترك في المصارف الإسلامية.
الأرباح والاستثمار المشترك:
أصحاب الحسابات الاستثمارية في المصرف الإسلامي نوعين:
ـ المودعون في حسابات الاستثمار المشترك.
ـ المودعون في حسابات الاستثمار المخصص.
فالنوع الأول: هم الأكثر عدداً والأشمل تطبيقاً، وهم أساس نظام المضاربة والمشاركة.
والثاني: أقل عدداً، فالتعاون بينهم وبين المصرف الإسلامي أقرب إلى المضاربة المخصصة، حيث يكون لكل مشروع معين حساب مستقل بأرباحه ونفقاته وحقوق الممولين فيه مع عدم اختلاط هذه الأرباح بغيرها من أرباح المشاريع الأخرى.
الأصل الذي ينبغي أن تسير عليه المصارف الإسلامية في توزيع الأرباح بينهما وبين أصحاب الحسابات في نطاق الاستثمار المشترك يقوم على المنطلقات التالية:
1 ـ المصرف الإسلامي بشخصيته الاعتبارية ومكاتبه وموظفيه موجود قبل أن يأتيه المستثمرون، وعلى هذا فإن حقه من الربح هو نصيبه المتفق عليه من النماء الذي يتحقق بعمله في هذا المال المسلم إلى المصرف بنظام المضاربة المشتركة.
2 ـ أن حدود العلاقة التعاقدية بين المصرف الإسلامي وأصحاب الحسابات في الاستثمار المشترك محصورة في نطاق استعمال المال في تمويل عمليات الاستثمار،
فهم لا يشاركون المصرف في ما يحصل عليه من عوائد لأساليب الخدمات المصرفية التي يقوم بها، وهي عبارة عن أجور بالإضافة إلى أنهم لا يتحملون نفقات موظفيه ومصاريفه الإدارية والعمومية.
3 ـ أن الإعلان عن نصيب المصرف من صافي الإيرادات الاستثمارية، والذي يأخذه كمضارب أمر واجب شرعاً، وأن هذا الإعلان ليس لاحقاً ولكنه يجب أن يكون سابقاً.
وبما أن المضاربة المشتركة مضاربة مستمرّة، فإن هذا الاستمرار يتطلب الإعلان في بداية كل سنة مالية كما في المضاربة الفردية، حيث يتم بيان نصيب الطرفين من الربح في بداية العملية.
4 ـ نصيب المصرف من الربح وإن كان متروكاً للاتفاق إلا أن فيه نوعاً من الإذعان، ولذلك على المصرف المواءمة بين استثمار أموال المساهمين.
5 ـ ومن منطلق الاستحسان فيرى الدكتور سامي حمود أن لا يزيد فارق نسبة الربح بين معدل ما يناله المساهمون وما يعطى للمستثمرين في حسابات الاستثمار المشتركة عن مرة واحدة، ونصف عما يعطى للمسافرين.
ولذلك لا بدّ من التقيد بقواعد العدل والإحسان، وبوجود الحسابات الآلية فإن مواعيد توزيع الأرباح يمكن أن تكون سنة أو نصف سنة أو ثلاثة أشهر ما دامت الأجهزة تقوم بحساب الأرباح بيسر وسهولة، فليس هناك مانع شرعي من ذلك.
لكن وبعد سنوات من التجارب المصرفية الإسلامية لمعالجة توزيع الأرباح بين المودعين والمساهمين فإن هناك بعض المسائل تحتاج إلى إعادة نظر ودرس، وقد ذكر الدكتور منذر القحف بعضها:
أـ من المصارف الإسلامية من يعتبر جميع النفقات الإدارية، سواءً ما يتعلق منها بكلفة الإدارة والمحاسبة والنفقات العامة المتعلقة بأجهزة المصرف وأقسامه ومبانيه ومستهلكاته أمراً يقع على عاتق المضارب ولا علاقة لرب المال به، كما يفعل البنك الإسلامي الأردني.
ومن المصارف الإسلامية من يعتبر أن أصحاب الودائع الاستثمارية يتشاركون في تحمل النفقات ومن المصارف الإدارية والمحاسبة العامة ما عدا نفقات مجلس الإدارة، كما يفعل بيت التمويل الكويتي.
وتظهر هذه النقطة وجهين للمحاسبة في المصارف الإسلامية حول توزيع الأرباح.
ب ـ ويطبق بعض المصارف الإسلامية ما يسمى معدل الاستثمار، ومنها من لا يطبقه، ويقوم هذا المبدأ على أساس أن المصرف يضطر للاحتفاظ بنسبة معينة من الودائع الاستثمارية على شكل احتياطي نقدي لمواجهة طلبات سحب الأموال، وتختلف هذه حسب شروط المضاربة.
وبالتالي يمكن اعتبار الاحتياطي النقدي المتروك خارجاً عن إطار الاستثمار بمثابة وديعة مصرفية تخرج على أساس القرض فتكون مضمونة للمودع، ويجوز الجمع بين القرض والمضاربة لجواز كل منهما بانفراده… كل هذا يحتاج إلى إعادة النظر من المصارف التي تطبّق معدل الاستثمار من الناحية الشرعية، وحلّ هذه الإشكالية: كيف تأخذ أموال غير مستثمرة أرباحاً لم تشارك فيها؟ أما المصارف التي لا تطبقه فالمشكلة غير موجودة.
ج ـ الفروق في التوزيع بين أصحاب الأسهم والمودعين، فالنسب التي يحصل عليها المودعون تقلّ كثيراً عما يحصل عليه أصحاب الأسهم ـ يصل إلى أرقام كبيرة ـ بل وهذا التقسيم الرتيب للأرباح (7%، 8.5%)، وهكذا في كل عام نسبة قريبة مما توزعه المصارف الربوية، بل وعمدت بعض المصارف الإسلامية إلى إعطاء المودعين على سبيل التبرع من حصة المساهمين، وذلك للتخفيف من حدة هذه الفروق، أو لرفع نسب الأرباح للمودعين ليصل إلى نسب التوزيع في المصارف الربوية، إرضاءً للمودعين ورغبة في عدم اهتزاز ثقتهم بالمصرف بحسب زعم القائمين على المصرف الإسلامي، مما غيرّ القيم التي يجب أن تسود في المصرف الإسلامي من أن أموال المودع خاضعة للربح والخسارة، مما أحدث قلب كثير من المعايير التي يجب أن تسود.
د ـ إن التطبيق العملي لنظرية خلط أموال المودعين الاستثمارية (أرباب أموال المضاربة) بعضها مع بضع ومع مال المضارب (أصحاب الأسهم) أدى إلى الأخذ العملي بمبدأ التنضيض الحكمي بدلاً من التنضيض الحقيقي للمشروعات، وهذا في الواقع يرى الكثيرون أن ذلك لا بد منه، وأن التنضيض الحكمي من المسائل التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة الشرعية المتأنّية، وبخاصة أنه انتشر في الواقع العملي مع ظهور الشركات المساهمة، وأن الأرباح التي توزع تعتبر نهائية.
ـ إن خلط أموال المودعين مع أموال المضارب (أصحاب الأسهم) أدى عملياً إلى تعدد معايير اعتبار معدل الاستثمار المذكور سابقاً، فقد ميزت المصارف الإسلامية بين الودائع الاستثمارية حسب مددها، فجعلت معدل الاستثمار للوديعة ذات الأجل الطويل أكبر من معدل الوديعة ذات الأجل القصير، في حين ميزت بعض مصارف أخرى على أساس حق التصرف في الوديعة.
فالوديعة التوفيرية لها معدل استثمار أقل من الوديعة التي تتطلب إشعاراً مسبقاً للسحب، عن معدل استثمار الوديعة الثابتة.
و ـ كذلك تفاوتت المصارف الإسلامية لمسألة مساهمة رأس مال المصرف والأموال الخاضعة لضمان في مجموع الأموال المستثمرة، في حين قررت بعض المصارف الإسلامية إعطاء الأولوية في الاستثمار للودائع الاستثمارية، فنجد مصارف أخرى تعطي الأولوية لأموال المصرف نفسه، وبذلك فإن معدل الاستثمار الفعلي لا يظهر إلا عند نهاية الدورة المحاسبية، حيث يعتبر ما يفيض من الأموال المستثمرة على أموال أصحاب الودائع من أموال أصحاب المصرف.
وهكذا، فإن هذه المسائل الستة تحتاج من المصارف الإسلامية إلى إعادة النظر بنظم توزيع الأرباح في المصارف الإسلامية، كما وأظهرت عدم وجود طريقة واحدة لتوزيع الأرباح، وعدم اتفاق المصارف الإسلامية على معايير لتوزيع الأرباح فيها، والحاجة داعية لذلك.
ومن المقترحات العملية لتعديل التوزيع ما يلي:
1 ـ معالجة النفقات الإدارية.
2 ـ تنوع الطرق لدراسة معدلات الاستثمار.
3 ـ معالجة الودائع في الحساب الجاري.
4 ـ أولوية الأمور في الاستثمارات.
5 ـ كيفية احتساب الأموال الذاتية للمصرف.
6 ـ التنضيض الحكومي.
7 ـ التصريح في عقد المضاربة وفي الحسابات الختامية، مثال ذلك:
ـ تحديد أنواع النفقات والأعباء الإدارية.
ـ التصريح بمعدل الاستثمار عندما يُطبّق.
ـ ذكر فائدة اعتبار الإيرادات، أهي التحقق أم التحصيل الفعلي.
وبهذا فإن الحاجة ماسّة لوضع معايير محاسبية محددة للمصارف الإسلامية، وضرورة أن تكون هذه المعايير مستندة لأحكام الشرع الحنيف، وتعالج كافة الجوانب التي تتعلق بمعاملات المصارف الإسلامية والزكاة والإجازة وفقه المداينات وغيرها(1).
الحكم الشرعي في الأرباح:
الربح إما أن يكون مشروعاً، أو غير مشروع، أو مختلفاً فيه.
أـ فالربح المشروع هو ما ينتج عن تصرف مباح، كالعقود الجائزة، مثل البيع والمضاربة والشركة وغيرها، فالربح الناتج عن هذه التصرفات المباحة حلال بالإجماع مع مراعاة أن لكل عقد من هذه العقود قواعد وشرائط شرعية لا بدّ من مراعاتها.
ب ـ والربح غير المشروع هو: ما ينتج عن تصرّف محرّم كالربا والقمار والتجارة بالمحرمات، لقوله عز وجل: (الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رّبّهِ فَانْتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( سورة البقرة الآية /275/.
وقوله ( «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» ) (2)
ج ـ وأما الربح المختلف فيه، فمنه ما ينتج عن التصرّف فيما كان تحت يد الإنسان من مال غيره، سواء كانت يد أمانة كالمودع، أم يد ضمان كالناصب وخلافه، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:
فالحنفية على أن الربح لا يطيب لمن تصرف في المنصوب أو الوديعة، هذا عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف، ووجه ذلك عند أبي يوسف أنه حصل التصرف في ضمانه وملكه، أما الضمان فظاهر، لأن المغصوب دخل في ضمان الغاصب، وأما المالك فلأنه يملكه من وقت الغصب إذا ضُمن، وعند أبي حنيفة ومحمد أن التصرّف حصل في ملكه وضمانه، لكنه بسبب خبيث، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وما هو كذلك فسبيله التصّدق به، إذا الفرع يحصل على وصف الأصل، وأصله حديث الشاة، حيث أمر النبي ( بالتصدق بلحمها على الأسرى (3).
وأما عند المالكية والشافعية في الأظهر فالربح لمن تصرف في الوديعة وليس للمالك لأنها لو تلف لضمنها، قال الشربيني الخطيب: لو اتجر الغاصب في المال المغصوب، فالربح له في الأظهر، فإذا غصب دراهم واشترى شيئاً في ذمته ونقد الدراهم في ثمنه وربح، ومثل الدراهم، لأنها مثلية إن تعذر عليه رد ما أخذه، وإلا وجب عليه رده بعينه، أما إذا اشترى بعينه، فالجديد بطلانه.
وعند الحنابلة: الربح لصاحب الوديعة أو مالك المغصوب، قال ابن قدامة: إذا غصب أثماناً فاتجر بها أو عروضاً فباعها واتجر بثمنها، فالربح للمالك والسلع المشتراة له (4).
~ والحمد لله رب العالمين~
1 ـ مقال (توزيع الأرباح في البنوك الإسلامية)، ومقال الدكتور محمد عمر (الحاجة إلى إعداد معايير محاسبة خاصة بالبنوك الإسلامية).
2 ـ صحيح مسلم: 3/1207
3 ـ الحديث في سنن أبي داود: 3/627.
4 ـ يراجع: فتح القدير: 7/373، مغني المحتاج: 2/291، جواهر الإكليل، 2/220، المغني، 5/275، الموسوعة الفقهية الكويتية
وكنا قد تحدثنا في العدد الماضي عن مفهوم الربح والنماء فيه موضحين صحة الربح في المضاربة والشراكة وصور التمويل في البيع والتقسيط والعقود والأسهم والسندات وانتهينا بتوضيح مفهوم الربا وصلته الوثيقة في الربح كما تطرقنا لموضوع المصارف الإسلامية وكيفية احتسابها للأرباح والتوزيع والقسمة على أصحاب الحقوق. وسنستكمل في هذا العدد الرؤية الشرعية للأرباح والاستثمار المشترك في المصارف الإسلامية.
الأرباح والاستثمار المشترك:
أصحاب الحسابات الاستثمارية في المصرف الإسلامي نوعين:
ـ المودعون في حسابات الاستثمار المشترك.
ـ المودعون في حسابات الاستثمار المخصص.
فالنوع الأول: هم الأكثر عدداً والأشمل تطبيقاً، وهم أساس نظام المضاربة والمشاركة.
والثاني: أقل عدداً، فالتعاون بينهم وبين المصرف الإسلامي أقرب إلى المضاربة المخصصة، حيث يكون لكل مشروع معين حساب مستقل بأرباحه ونفقاته وحقوق الممولين فيه مع عدم اختلاط هذه الأرباح بغيرها من أرباح المشاريع الأخرى.
الأصل الذي ينبغي أن تسير عليه المصارف الإسلامية في توزيع الأرباح بينهما وبين أصحاب الحسابات في نطاق الاستثمار المشترك يقوم على المنطلقات التالية:
1 ـ المصرف الإسلامي بشخصيته الاعتبارية ومكاتبه وموظفيه موجود قبل أن يأتيه المستثمرون، وعلى هذا فإن حقه من الربح هو نصيبه المتفق عليه من النماء الذي يتحقق بعمله في هذا المال المسلم إلى المصرف بنظام المضاربة المشتركة.
2 ـ أن حدود العلاقة التعاقدية بين المصرف الإسلامي وأصحاب الحسابات في الاستثمار المشترك محصورة في نطاق استعمال المال في تمويل عمليات الاستثمار،
فهم لا يشاركون المصرف في ما يحصل عليه من عوائد لأساليب الخدمات المصرفية التي يقوم بها، وهي عبارة عن أجور بالإضافة إلى أنهم لا يتحملون نفقات موظفيه ومصاريفه الإدارية والعمومية.
3 ـ أن الإعلان عن نصيب المصرف من صافي الإيرادات الاستثمارية، والذي يأخذه كمضارب أمر واجب شرعاً، وأن هذا الإعلان ليس لاحقاً ولكنه يجب أن يكون سابقاً.
وبما أن المضاربة المشتركة مضاربة مستمرّة، فإن هذا الاستمرار يتطلب الإعلان في بداية كل سنة مالية كما في المضاربة الفردية، حيث يتم بيان نصيب الطرفين من الربح في بداية العملية.
4 ـ نصيب المصرف من الربح وإن كان متروكاً للاتفاق إلا أن فيه نوعاً من الإذعان، ولذلك على المصرف المواءمة بين استثمار أموال المساهمين.
5 ـ ومن منطلق الاستحسان فيرى الدكتور سامي حمود أن لا يزيد فارق نسبة الربح بين معدل ما يناله المساهمون وما يعطى للمستثمرين في حسابات الاستثمار المشتركة عن مرة واحدة، ونصف عما يعطى للمسافرين.
ولذلك لا بدّ من التقيد بقواعد العدل والإحسان، وبوجود الحسابات الآلية فإن مواعيد توزيع الأرباح يمكن أن تكون سنة أو نصف سنة أو ثلاثة أشهر ما دامت الأجهزة تقوم بحساب الأرباح بيسر وسهولة، فليس هناك مانع شرعي من ذلك.
لكن وبعد سنوات من التجارب المصرفية الإسلامية لمعالجة توزيع الأرباح بين المودعين والمساهمين فإن هناك بعض المسائل تحتاج إلى إعادة نظر ودرس، وقد ذكر الدكتور منذر القحف بعضها:
أـ من المصارف الإسلامية من يعتبر جميع النفقات الإدارية، سواءً ما يتعلق منها بكلفة الإدارة والمحاسبة والنفقات العامة المتعلقة بأجهزة المصرف وأقسامه ومبانيه ومستهلكاته أمراً يقع على عاتق المضارب ولا علاقة لرب المال به، كما يفعل البنك الإسلامي الأردني.
ومن المصارف الإسلامية من يعتبر أن أصحاب الودائع الاستثمارية يتشاركون في تحمل النفقات ومن المصارف الإدارية والمحاسبة العامة ما عدا نفقات مجلس الإدارة، كما يفعل بيت التمويل الكويتي.
وتظهر هذه النقطة وجهين للمحاسبة في المصارف الإسلامية حول توزيع الأرباح.
ب ـ ويطبق بعض المصارف الإسلامية ما يسمى معدل الاستثمار، ومنها من لا يطبقه، ويقوم هذا المبدأ على أساس أن المصرف يضطر للاحتفاظ بنسبة معينة من الودائع الاستثمارية على شكل احتياطي نقدي لمواجهة طلبات سحب الأموال، وتختلف هذه حسب شروط المضاربة.
وبالتالي يمكن اعتبار الاحتياطي النقدي المتروك خارجاً عن إطار الاستثمار بمثابة وديعة مصرفية تخرج على أساس القرض فتكون مضمونة للمودع، ويجوز الجمع بين القرض والمضاربة لجواز كل منهما بانفراده… كل هذا يحتاج إلى إعادة النظر من المصارف التي تطبّق معدل الاستثمار من الناحية الشرعية، وحلّ هذه الإشكالية: كيف تأخذ أموال غير مستثمرة أرباحاً لم تشارك فيها؟ أما المصارف التي لا تطبقه فالمشكلة غير موجودة.
ج ـ الفروق في التوزيع بين أصحاب الأسهم والمودعين، فالنسب التي يحصل عليها المودعون تقلّ كثيراً عما يحصل عليه أصحاب الأسهم ـ يصل إلى أرقام كبيرة ـ بل وهذا التقسيم الرتيب للأرباح (7%، 8.5%)، وهكذا في كل عام نسبة قريبة مما توزعه المصارف الربوية، بل وعمدت بعض المصارف الإسلامية إلى إعطاء المودعين على سبيل التبرع من حصة المساهمين، وذلك للتخفيف من حدة هذه الفروق، أو لرفع نسب الأرباح للمودعين ليصل إلى نسب التوزيع في المصارف الربوية، إرضاءً للمودعين ورغبة في عدم اهتزاز ثقتهم بالمصرف بحسب زعم القائمين على المصرف الإسلامي، مما غيرّ القيم التي يجب أن تسود في المصرف الإسلامي من أن أموال المودع خاضعة للربح والخسارة، مما أحدث قلب كثير من المعايير التي يجب أن تسود.
د ـ إن التطبيق العملي لنظرية خلط أموال المودعين الاستثمارية (أرباب أموال المضاربة) بعضها مع بضع ومع مال المضارب (أصحاب الأسهم) أدى إلى الأخذ العملي بمبدأ التنضيض الحكمي بدلاً من التنضيض الحقيقي للمشروعات، وهذا في الواقع يرى الكثيرون أن ذلك لا بد منه، وأن التنضيض الحكمي من المسائل التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة الشرعية المتأنّية، وبخاصة أنه انتشر في الواقع العملي مع ظهور الشركات المساهمة، وأن الأرباح التي توزع تعتبر نهائية.
ـ إن خلط أموال المودعين مع أموال المضارب (أصحاب الأسهم) أدى عملياً إلى تعدد معايير اعتبار معدل الاستثمار المذكور سابقاً، فقد ميزت المصارف الإسلامية بين الودائع الاستثمارية حسب مددها، فجعلت معدل الاستثمار للوديعة ذات الأجل الطويل أكبر من معدل الوديعة ذات الأجل القصير، في حين ميزت بعض مصارف أخرى على أساس حق التصرف في الوديعة.
فالوديعة التوفيرية لها معدل استثمار أقل من الوديعة التي تتطلب إشعاراً مسبقاً للسحب، عن معدل استثمار الوديعة الثابتة.
و ـ كذلك تفاوتت المصارف الإسلامية لمسألة مساهمة رأس مال المصرف والأموال الخاضعة لضمان في مجموع الأموال المستثمرة، في حين قررت بعض المصارف الإسلامية إعطاء الأولوية في الاستثمار للودائع الاستثمارية، فنجد مصارف أخرى تعطي الأولوية لأموال المصرف نفسه، وبذلك فإن معدل الاستثمار الفعلي لا يظهر إلا عند نهاية الدورة المحاسبية، حيث يعتبر ما يفيض من الأموال المستثمرة على أموال أصحاب الودائع من أموال أصحاب المصرف.
وهكذا، فإن هذه المسائل الستة تحتاج من المصارف الإسلامية إلى إعادة النظر بنظم توزيع الأرباح في المصارف الإسلامية، كما وأظهرت عدم وجود طريقة واحدة لتوزيع الأرباح، وعدم اتفاق المصارف الإسلامية على معايير لتوزيع الأرباح فيها، والحاجة داعية لذلك.
ومن المقترحات العملية لتعديل التوزيع ما يلي:
1 ـ معالجة النفقات الإدارية.
2 ـ تنوع الطرق لدراسة معدلات الاستثمار.
3 ـ معالجة الودائع في الحساب الجاري.
4 ـ أولوية الأمور في الاستثمارات.
5 ـ كيفية احتساب الأموال الذاتية للمصرف.
6 ـ التنضيض الحكومي.
7 ـ التصريح في عقد المضاربة وفي الحسابات الختامية، مثال ذلك:
ـ تحديد أنواع النفقات والأعباء الإدارية.
ـ التصريح بمعدل الاستثمار عندما يُطبّق.
ـ ذكر فائدة اعتبار الإيرادات، أهي التحقق أم التحصيل الفعلي.
وبهذا فإن الحاجة ماسّة لوضع معايير محاسبية محددة للمصارف الإسلامية، وضرورة أن تكون هذه المعايير مستندة لأحكام الشرع الحنيف، وتعالج كافة الجوانب التي تتعلق بمعاملات المصارف الإسلامية والزكاة والإجازة وفقه المداينات وغيرها(1).
الحكم الشرعي في الأرباح:
الربح إما أن يكون مشروعاً، أو غير مشروع، أو مختلفاً فيه.
أـ فالربح المشروع هو ما ينتج عن تصرف مباح، كالعقود الجائزة، مثل البيع والمضاربة والشركة وغيرها، فالربح الناتج عن هذه التصرفات المباحة حلال بالإجماع مع مراعاة أن لكل عقد من هذه العقود قواعد وشرائط شرعية لا بدّ من مراعاتها.
ب ـ والربح غير المشروع هو: ما ينتج عن تصرّف محرّم كالربا والقمار والتجارة بالمحرمات، لقوله عز وجل: (الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رّبّهِ فَانْتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( سورة البقرة الآية /275/.
وقوله ( «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» ) (2)
ج ـ وأما الربح المختلف فيه، فمنه ما ينتج عن التصرّف فيما كان تحت يد الإنسان من مال غيره، سواء كانت يد أمانة كالمودع، أم يد ضمان كالناصب وخلافه، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:
فالحنفية على أن الربح لا يطيب لمن تصرف في المنصوب أو الوديعة، هذا عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف، ووجه ذلك عند أبي يوسف أنه حصل التصرف في ضمانه وملكه، أما الضمان فظاهر، لأن المغصوب دخل في ضمان الغاصب، وأما المالك فلأنه يملكه من وقت الغصب إذا ضُمن، وعند أبي حنيفة ومحمد أن التصرّف حصل في ملكه وضمانه، لكنه بسبب خبيث، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وما هو كذلك فسبيله التصّدق به، إذا الفرع يحصل على وصف الأصل، وأصله حديث الشاة، حيث أمر النبي ( بالتصدق بلحمها على الأسرى (3).
وأما عند المالكية والشافعية في الأظهر فالربح لمن تصرف في الوديعة وليس للمالك لأنها لو تلف لضمنها، قال الشربيني الخطيب: لو اتجر الغاصب في المال المغصوب، فالربح له في الأظهر، فإذا غصب دراهم واشترى شيئاً في ذمته ونقد الدراهم في ثمنه وربح، ومثل الدراهم، لأنها مثلية إن تعذر عليه رد ما أخذه، وإلا وجب عليه رده بعينه، أما إذا اشترى بعينه، فالجديد بطلانه.
وعند الحنابلة: الربح لصاحب الوديعة أو مالك المغصوب، قال ابن قدامة: إذا غصب أثماناً فاتجر بها أو عروضاً فباعها واتجر بثمنها، فالربح للمالك والسلع المشتراة له (4).
~ والحمد لله رب العالمين~
1 ـ مقال (توزيع الأرباح في البنوك الإسلامية)، ومقال الدكتور محمد عمر (الحاجة إلى إعداد معايير محاسبة خاصة بالبنوك الإسلامية).
2 ـ صحيح مسلم: 3/1207
3 ـ الحديث في سنن أبي داود: 3/627.
4 ـ يراجع: فتح القدير: 7/373، مغني المحتاج: 2/291، جواهر الإكليل، 2/220، المغني، 5/275، الموسوعة الفقهية الكويتية