القليلون جدا هم الذين يغادرون كما غادر صدام حسين المجيد ] |
بقلم : د. جبرا الشوملي |
لبعض معاني البطولة فضاءات خاصة في رحابها تتكسر حدود المعهود والمألوف والطبيعي ، وكل الاشياء والصور والعلاقات المعتادة ، وتفيض بالمبادرات والخيارات والخيالات الرفيعة ، وتدفق بما هو أبعد من مجرد التضحية بالنفس ، لتصل الى ما يشبه طفرات شحيحة التكرار في حياة البشر . ما زال خيالنا يتأمل بمشقة بالغة موقف الرئيس العراقي في أواخر كانون أول من العام الماضي وهو يكتب أخر صفحة في سيرة حياته المدججة بممانعات ومداهمات صاخبة ذهب صاحبها وهى لم تذهب . روح التطاول على غيبوبة الجغرافيا وسقامة التاريخ وبلادة المحيط وممارسة التمرد اليقينيات الوحيدة التي تشغل هموم الناس وتستعصى على الفرار ، حتى وإن إنطوت على على نوع من الاخفاق وعلى بعض من الدمار ، هى التي وضعت بجدارة وبنوع من الاستثناء والاستحقاق صدام حسين المجيد في صلب الحقيقي من حياة العرب ، ومنحته الأعلى الذي لا يعلوه أعلى ، والأكيد ان بعد هذا الأعلى هو استمرار تدافع الزحزحات وربما الطوفانات حتى لو تبدى المكان ممنوعا من الصرف . في كل الازمنة والامكنة تسقط دول وتقوم دول ، يذهب رجال ويأتي رجال ، وباستثناء علي ابن ابي طالب الذي ظل يحارب كحاكم ومقاوم ، يكاد يكون صدام حسين المجيد العربي المعاصر الوحيد الذي ظل يشتعل بعذوبة الحاكم المعادل الفريد لعذوبة المقاوم . وسيان في الحكم والمقاومة استمرت مداهماته مسكونة بالبحث عن ظلال دافئة لما بعد انهيار الجدران الهشة ، والمداهمات مهما قيل فيها كانت ترشح بامتلاء واعتداد لم يعتاده غيره وزمنه ، وكانت تعاند المراوحة والانتظار والارجاء والتواكل ، وتشق وتشقق ادعاءات خرافة انتقال العرب من الصحراء الى الجبل ، وقد اراده دائما قمة الجبل . لم تُخمد قفار الطرق كهرباء روح الجبل التي سكنته ، وانقلبت اكتشافات ورجال ومصانع وعلوم وعلماء كادات ان تقتلع الحدود والحواجز، وكادت ان تقيم المدن الجديدة والاحلام الجديدة والاسماء الجديدة المفوتة في رتابتنا ، وحيرتنا ، وشحة وفائنا ، وغزارة تملقاتنا ، وكثير اشوقنا للامجدي، وقليل انتاجنا للمجدي من النصوص والافعال ، ولكنها كانت قريبة وعزيزة وبديهية في همهماته ، وامتلائته ، وبريق عينيه ، ونبض قلبه ، الذي لم يعرف الهلع أو المساومة أو الانحناء ، أما الديموقراطية فهى قصة أخرى لمقال ليس في هذا المقام . وبقدر ما أحزننا وكشف خيبتنا وذنوبنا وخطايانا ، وهو يصعد لوحده الى قمة الجبل ، بقدر ما أعاد صوابنا لتفاهة الموت في رمادية وسواد حياتنا ، تفاهته ودونيته وتدهوره ، وكأنه في هذا الانسان ليس الموت سوى فائض عن الحاجة . ان يكون الموت فائض عن الحاجة قد يبدو اسقاطا عاطفيا وتبذيرا في بلاغة اللغة ، ولكن جزءا بسيطا من اليقين ان طاقة هدوءه ولياقته واتزانه في لحظة الموت لن يختفيا من أحلامنا ، وفقط هم الكثرة الكثيرة من أمة العرب سيحفظون للابد قيمة هذا الامتيازالنادر . |
2 مشترك
القليلون هم الذين يغادرون كما يغادر صدام
Admin- MANGER
عدد الرسائل : 2123
النشاط :
تاريخ التسجيل : 02/05/2008
- مساهمة رقم 1
القليلون هم الذين يغادرون كما يغادر صدام
ELSADEEK ELWAFEY- MANGER
عدد الرسائل : 348
العمل : aa
النشاط :
تاريخ التسجيل : 04/05/2008
- مساهمة رقم 2