بدأت
الحياة تطورها على سطح الأرض منذ أن ظهرت (الأشنيات), أسلاف الحياة الأولى
في البحار الضحلة, مستفيدة من إشعاع الشمس المستقر, حتى وصلت إلى أشكالها
الحالية التي لا تكاد تحصى.
من بين أشكال الحياة هذه جميعها, يقف
الإنسان على قمة هرم التطور الطبيعي, متفرداً بقدرات عقلية متميزة جعلته
يسود كوكب الأرض, وربما عوالم أخرى كثيرة في المستقبل.
إن تفرد
الإنسان بملكة العقل والتفكير يشكل استثناء من قاعدة التطور التي مرت بها
بقية الأحياء على الأرض، و من جهة أخرى فقد تميز الإنسان بسعيه الحثيث نحو
التقدم و التطور.
النمل مثلاً تحفر بيوتها بالطريقة نفسها منذ أن
وجدت على سطح الأرض، والعنكبوت تنسج شباكها دوماً بشكلها المألوف. والنحل
يبني خلاياه بالطريقة نفسها منذ آلاف السنين, ولم يحدث أن طورت هذه
الأنواع الحية وغيرها طريقة حياتها أبداً, في الوقت الذي شهد فيه النوع
الإنساني تطوراً هائلاً انتقل فيه من الكهوف إلى معارج السماء.
لو
تفحصنا الأمر بدقة, لوجدنا أنه بالإضافة إلى القدرات الطبيعية التي يتفوق
بها الإنسان على بقية الأنواع الحية, فقد رتبت الطبيعة حوله, وحفظت بطريقة
مخططة ومدروسة لتأخذ بيده دوماً إلى الأمام.
لقد فتحت الطبيعة
أسرارها تدريجياً لخدمة الإنسان, فوجد فيها عدداً لايحصى من الموارد
والثروات التي سُخّرت لنفعه، حتى القوانين الطبيعية وجدها في انتظاره كي
يحل ألغازها, ومن ثم يضعها في خدمته.
لقد أصبح بإمكاننا اليوم أن
نتصل مع أقصى أصقاع الأرض بالصوت وبالصورة وبشكل آني، بإمكاننا أيضاً أن
نستبدل أعضاء جسم المريض من قلب أو كليتين وغيرها.. ومعالجة أمراض كان
شفاؤها مستحيلاً.
لقد أصبح بمقدورنا إدارة أصعب وأعقد العمليات
الصناعية بلمسة زر, لا بل حتى بدون أي تدخل عن طريق برامج الحاسوب, هذا
وغيره كثير مما سخر لنا على الأرض من موارد وقوانين طبيعية أحسن استغلالها.
لكن
المدهش ما هو في السماء أيضاً وقد رأينا المصادفة الغريبة في أن يكون
للأرض قمر بحجم قمرنا المعروف, وأن يكون سطح هذا القمر مهيأ بمساحات كبيرة
منبسطة مغطاة بالرمل الطري كأنها مطارات أعدت لاستقبال مركبات الفضاء التي
ستأتيها من الأرض.
أما كواكب المجموعة الشمسية, فقد اتخذت لنفسها مدارات متباعدة بمسافة آمنة عن بعضها وأخذت تدور في اتجاه واحد حول الشمس.
إن
كوكب الزهرة, وهو الأقرب إلى الأرض, يكاد أن يكون توأمها, سواء بالحجم أو
بالكثافة, يحيط به غلاف غني بثاني أوكسيد الكربون لا يحتاج لأكثر من حقنة
بالأشنيات ليصبح غنياً بالأوكسجين اللازم للحياة ، و كذلك الأمر بالنسبة
للمريخ الذي سيمكن تأهيله للإستيطان مع استمرار التقدم التكنولوجي كما
رأينا في مقالتين سابقتين
قد يقول قائل مثلا أنه من الأنسب لو أن
أجواء الزهرة كانت مركبة من الأوكسجين والنتروجين كما هو الحال في الأرض,
بشكل يكون معه صالحاً لاستقبال الإنسان فوراً, لكن هذا مستحيل من الناحية
الفيزيائية, إلا إذا وقعت الزهرة في مدار الأرض نفسه حول الشمس, ولو حصل
هذا لكان احتمال ارتطام الكوكبين ببعضهما كبيراً.
كذلك فإن
المشتري, عملاق المجموعة الشمسية, يمكن أن يصبح منجماً تستفيد مدنيات
المستقبل مما فيه من معادن، إنه أيضاً قريب بما فيه الكفاية لاستطلاعه
ودراسته بالوسائل المتوفرة لدينا الآن.
لكن الأهم من هذا وذاك, هو التصميم الرائع الذي يحفظ الكون من الزوال, ويضمن بالتالي للحياة استمرارها وتطورها.
في الواقع تتوفر ثلاثة أسباب ضرورية ولازمة, لولاها لاختل نظام الكون, ولما تسنى للحياة أن توجد أصلاً:
أول
هذه الأسباب , هو المسافات الكونية السحيقة التي تتباعد الأجرام السماوية
بها عن بعضها, وقد رأينا أن المسافة بين الشمس وأقرب نجم يليها, تبلغ
حوالي (4.3) سنة ضوئية. لقد أصيب المهتمون بالعلوم الكونية بخيبة أمل بادئ
الأمر عندما حسبت هذه المسافة, إذ بدا أن النظام الشمسي معزول عن الكون,
لكن العلماء يجدون هذه العزلة نعمة اليوم بعد أن تعرفوا إلى أطوار حياة
النجوم, وما يمكن أن ينجم عنها من ظواهر كارثية. فظاهرة الاستعار النجمي
(Super Nova) التي يتكرر حدوثها في المجرة, يمكنها أن تهدد المدنيات التي
تعيش على بعد سنتين أو ثلاث سنوات ضوئية منها، هذا وإن تباعد الأجرام
السماوية يجعل إمكانية تصادمها مستحيلة، و إذا عدنا إلى نظرية الانفجار
الأكبر (Big Bang) نجد الكون يتمدد باستمرار وبشكل يلغي احتمال اقتراب أي
نجم غريب من أحد الكواكب الآهلة بالحياة, مما قد يؤدي – إذا حصل – إلى أن
يهوي الكوكب في أتون النجم المقترب, أو أن ينفلت من فلكه الأصلي إلى
الفضاء الخارجي حيث الظلام والزمهرير الأبدي.
أما المجرات, هذه
الجزر الكونية التي تتشكل من ملايين ملايين النجوم, فتتباعد عن بعضها
بسرعة تفوق ملايين المرات تلك التي تتباعد بها النجوم. وهذا أيضاً من
الأسباب التي تحفظ الحياة في الكون, فهناك من المجرات ما تحتوي على
الكواكب الدُّرّية (Quasars) التي يفوق ضياء الكوكب منها أضعاف ضياء نجوم
المجرة مجتمعة, لو وقع في حزمة ضيائه أي من الأنواع الحية لباد وفني.
هناك
مجرات تبث طاقة راعدة, مثل مجرة (سيفرت SEYFERT GALAXY), يبدو أن هذه
المجرات تخضع لانفجارات انهدامية مستمرة، من الممتع رصد المجرات الراعدة,
أو الدُّرّية الألقة من مسافة ملايين أو مليارات السنين الضوئية, لكن ليس
لعاقل أن يتمنى الاقتراب منها أكثر.
السبب الثاني الذي يحفظ الكون
بشكله الآمن هو حركة الأجرام السماوية المنتظمة في أفلاكها, فكل نظام كوني
مستقر, كنظام المجموعة الشمسية مثلاً, يتكون من كتل مادية تدور كتوابع حول
كتل مادية أكبر لو توقفت عن الحركة لهوى كل ما في الكون منطبقاً على بعضه,
فالأرض و الكواكب السيارة ستهوي إلى الشمس, والشمس ستهوي مع بقية النجوم
إلى مركز المجرة, والمجرات ستهوي جميعاً لتتجمع في نقطة واحدة, معيدة بذلك
الوضعية الأولى التي بدأ منها الكون وفق نظرية (الانفجار الأكبر). قد تكون
هذه نهاية الكون في غضون (70) مليار سنة قادمة, عندما تتباطأ حركة الأجرام
السماوية, ويكون تمدد الكون واتساعه قد استهلك طاقته بنفسه. لكن الاهتمام
بما سيحدث بعد (70) مليار سنة ليس مهما الآن, وإن هذه الفترة, إذا أضيفت
إلى الفترة التي انقضت منذ ولادة الكون, التي يقدرها العلماء بحوالي (12)
مليار سنة, هي فترة كافية لظهور وازدهار ملايين الحضارات العاقلة, على
ملايين الكواكب في أرجاء الكون.
السبب الثالث الذي يجعل الكون
آمناً هو تفاعلات الاندماج لنوى الهيدروجين في باطن النجوم التي تبث
الطاقة, ويتخلف عنها الهليوم كرماد. يمكن تشبيه النجوم, ومنها الشمس
بقنابل هيدروجينية جبارة, من حيث أن التفاعلات فيها هي التفاعلات نفسها
التي تجري في القنابل الهيدروجينية على الأرض, لكنها لا تنفجر بمجرد
وصولها إلى درجة الوميض النووي كما يحدث لهذه القنابل, بل تبث إشعاعاً
مستقراً خلال ملايين السنين؟ السبب في ذلك أن النجوم, ومنها الشمس, تحرق
الهيدروجين النقي أو الخفيف, بينما نستعمل في القنابل الهيدروجينية
النظائر الإشعاعية الأثقل للهيدروجين والتي ندعوها (دوتريوم) و(تريتيوم).
إن
تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين النظيف أبطأ مليار مرة من تفاعلات
الهيدروجين الثقيل, ولو أن النجوم أحرقت الهيدروجين الثقيل لانفجرت قبل أن
تولد, ولما وجد الكون أصلاً.
من جهة أخرى نجد نظير الهيدروجين
(دوتريوم) متوفراً في ماء المحيطات على الأرض, مما سيوفر مصدراً غنياً من
مصادر الطاقة للإنسان مستقبلاً إذا أحسن استخدامه.
إن الحديث عن
مصادر الطاقة على الأرض, يقودنا إلى الحديث عن مصادر الطاقة الأحفورية من
فحم ونفط, التي بقيت أحقاباً طويلة مدفونة قرب السطح الذي حفظها من
التأكسد بفعل العوامل الجوية, وكأن هناك تصميماً كونياً في تخزينها وحفظها
مئة مليون سنة من التغيرات الجيولوجية والمناخية, حتى إذا جاء الوقت
المناسب, وتوفرت التكنولوجيا الملائمة لاست***جها, وجدناها سهلة المنال.
ثم تعرفنا على تطويع النظائر المشعة (كاليورانيوم) لإنتاج الطاقة, فوجدنا
أن هذه النظائر تنتظرنا أيضاً منذ أن وجدت الأرض, ليس هذا فحسب, بل إن
تحولها الإشعاعي المنتظم من شكل إلى آخر, أمكن استخدامه في معرفة التاريخ
الطبيعي للأرض.
يتوقع أن تنضب مصادر الطاقة الأحفورية خلال مئة سنة
قادمة, أما مصادر الطاقة الأخرى فلن تكفي احتياجات المدنية المتنامية من
الطاقة مستقبلاً، لكن المدنيات الإنسانية في المستقبل البعيد لن تعدم
الوسيلة لاستثمار مصادر الطاقة والمواد الأولية التي تنتظرها في الأرض وفي
الفضاء, بحيث تستفيد إلى الحد الأقصى من الطاقة الإشعاعية التي تبثها
النجوم, أما الظواهر الكونية الخارقة, التي مازالت غامضة بقدر ما هي
رائعة, كالكواكب الدُّرّية (Quasars), والنجوم النيوترونية (Pulsars), و
الثقوب السوداء (Black Holes) فستتعلم المدنيات مستقبلاً كيفية التعامل
معها, والاستفادة من طاقتها الجبارة فيما هو نافع ونظيف, مستفيدة من
التجارب المريرة التي عاشتها مدنيات أخرى سخرت الطاقة الذرية لقتل
الإنسان, ونفثت دخان مصانعها ورمادها الذري في خضرة الأرض وأعماق
المحيطات, وطبقة الأوزون سماً قاتلاً.
إن العلوم النظرية اليوم هي تقنيات الغد, وأفضل طريقة للانتصار على الطبيعة تكمن في إطاعتها.
الحياة تطورها على سطح الأرض منذ أن ظهرت (الأشنيات), أسلاف الحياة الأولى
في البحار الضحلة, مستفيدة من إشعاع الشمس المستقر, حتى وصلت إلى أشكالها
الحالية التي لا تكاد تحصى.
من بين أشكال الحياة هذه جميعها, يقف
الإنسان على قمة هرم التطور الطبيعي, متفرداً بقدرات عقلية متميزة جعلته
يسود كوكب الأرض, وربما عوالم أخرى كثيرة في المستقبل.
إن تفرد
الإنسان بملكة العقل والتفكير يشكل استثناء من قاعدة التطور التي مرت بها
بقية الأحياء على الأرض، و من جهة أخرى فقد تميز الإنسان بسعيه الحثيث نحو
التقدم و التطور.
النمل مثلاً تحفر بيوتها بالطريقة نفسها منذ أن
وجدت على سطح الأرض، والعنكبوت تنسج شباكها دوماً بشكلها المألوف. والنحل
يبني خلاياه بالطريقة نفسها منذ آلاف السنين, ولم يحدث أن طورت هذه
الأنواع الحية وغيرها طريقة حياتها أبداً, في الوقت الذي شهد فيه النوع
الإنساني تطوراً هائلاً انتقل فيه من الكهوف إلى معارج السماء.
لو
تفحصنا الأمر بدقة, لوجدنا أنه بالإضافة إلى القدرات الطبيعية التي يتفوق
بها الإنسان على بقية الأنواع الحية, فقد رتبت الطبيعة حوله, وحفظت بطريقة
مخططة ومدروسة لتأخذ بيده دوماً إلى الأمام.
لقد فتحت الطبيعة
أسرارها تدريجياً لخدمة الإنسان, فوجد فيها عدداً لايحصى من الموارد
والثروات التي سُخّرت لنفعه، حتى القوانين الطبيعية وجدها في انتظاره كي
يحل ألغازها, ومن ثم يضعها في خدمته.
لقد أصبح بإمكاننا اليوم أن
نتصل مع أقصى أصقاع الأرض بالصوت وبالصورة وبشكل آني، بإمكاننا أيضاً أن
نستبدل أعضاء جسم المريض من قلب أو كليتين وغيرها.. ومعالجة أمراض كان
شفاؤها مستحيلاً.
لقد أصبح بمقدورنا إدارة أصعب وأعقد العمليات
الصناعية بلمسة زر, لا بل حتى بدون أي تدخل عن طريق برامج الحاسوب, هذا
وغيره كثير مما سخر لنا على الأرض من موارد وقوانين طبيعية أحسن استغلالها.
لكن
المدهش ما هو في السماء أيضاً وقد رأينا المصادفة الغريبة في أن يكون
للأرض قمر بحجم قمرنا المعروف, وأن يكون سطح هذا القمر مهيأ بمساحات كبيرة
منبسطة مغطاة بالرمل الطري كأنها مطارات أعدت لاستقبال مركبات الفضاء التي
ستأتيها من الأرض.
أما كواكب المجموعة الشمسية, فقد اتخذت لنفسها مدارات متباعدة بمسافة آمنة عن بعضها وأخذت تدور في اتجاه واحد حول الشمس.
إن
كوكب الزهرة, وهو الأقرب إلى الأرض, يكاد أن يكون توأمها, سواء بالحجم أو
بالكثافة, يحيط به غلاف غني بثاني أوكسيد الكربون لا يحتاج لأكثر من حقنة
بالأشنيات ليصبح غنياً بالأوكسجين اللازم للحياة ، و كذلك الأمر بالنسبة
للمريخ الذي سيمكن تأهيله للإستيطان مع استمرار التقدم التكنولوجي كما
رأينا في مقالتين سابقتين
قد يقول قائل مثلا أنه من الأنسب لو أن
أجواء الزهرة كانت مركبة من الأوكسجين والنتروجين كما هو الحال في الأرض,
بشكل يكون معه صالحاً لاستقبال الإنسان فوراً, لكن هذا مستحيل من الناحية
الفيزيائية, إلا إذا وقعت الزهرة في مدار الأرض نفسه حول الشمس, ولو حصل
هذا لكان احتمال ارتطام الكوكبين ببعضهما كبيراً.
كذلك فإن
المشتري, عملاق المجموعة الشمسية, يمكن أن يصبح منجماً تستفيد مدنيات
المستقبل مما فيه من معادن، إنه أيضاً قريب بما فيه الكفاية لاستطلاعه
ودراسته بالوسائل المتوفرة لدينا الآن.
لكن الأهم من هذا وذاك, هو التصميم الرائع الذي يحفظ الكون من الزوال, ويضمن بالتالي للحياة استمرارها وتطورها.
في الواقع تتوفر ثلاثة أسباب ضرورية ولازمة, لولاها لاختل نظام الكون, ولما تسنى للحياة أن توجد أصلاً:
أول
هذه الأسباب , هو المسافات الكونية السحيقة التي تتباعد الأجرام السماوية
بها عن بعضها, وقد رأينا أن المسافة بين الشمس وأقرب نجم يليها, تبلغ
حوالي (4.3) سنة ضوئية. لقد أصيب المهتمون بالعلوم الكونية بخيبة أمل بادئ
الأمر عندما حسبت هذه المسافة, إذ بدا أن النظام الشمسي معزول عن الكون,
لكن العلماء يجدون هذه العزلة نعمة اليوم بعد أن تعرفوا إلى أطوار حياة
النجوم, وما يمكن أن ينجم عنها من ظواهر كارثية. فظاهرة الاستعار النجمي
(Super Nova) التي يتكرر حدوثها في المجرة, يمكنها أن تهدد المدنيات التي
تعيش على بعد سنتين أو ثلاث سنوات ضوئية منها، هذا وإن تباعد الأجرام
السماوية يجعل إمكانية تصادمها مستحيلة، و إذا عدنا إلى نظرية الانفجار
الأكبر (Big Bang) نجد الكون يتمدد باستمرار وبشكل يلغي احتمال اقتراب أي
نجم غريب من أحد الكواكب الآهلة بالحياة, مما قد يؤدي – إذا حصل – إلى أن
يهوي الكوكب في أتون النجم المقترب, أو أن ينفلت من فلكه الأصلي إلى
الفضاء الخارجي حيث الظلام والزمهرير الأبدي.
أما المجرات, هذه
الجزر الكونية التي تتشكل من ملايين ملايين النجوم, فتتباعد عن بعضها
بسرعة تفوق ملايين المرات تلك التي تتباعد بها النجوم. وهذا أيضاً من
الأسباب التي تحفظ الحياة في الكون, فهناك من المجرات ما تحتوي على
الكواكب الدُّرّية (Quasars) التي يفوق ضياء الكوكب منها أضعاف ضياء نجوم
المجرة مجتمعة, لو وقع في حزمة ضيائه أي من الأنواع الحية لباد وفني.
هناك
مجرات تبث طاقة راعدة, مثل مجرة (سيفرت SEYFERT GALAXY), يبدو أن هذه
المجرات تخضع لانفجارات انهدامية مستمرة، من الممتع رصد المجرات الراعدة,
أو الدُّرّية الألقة من مسافة ملايين أو مليارات السنين الضوئية, لكن ليس
لعاقل أن يتمنى الاقتراب منها أكثر.
السبب الثاني الذي يحفظ الكون
بشكله الآمن هو حركة الأجرام السماوية المنتظمة في أفلاكها, فكل نظام كوني
مستقر, كنظام المجموعة الشمسية مثلاً, يتكون من كتل مادية تدور كتوابع حول
كتل مادية أكبر لو توقفت عن الحركة لهوى كل ما في الكون منطبقاً على بعضه,
فالأرض و الكواكب السيارة ستهوي إلى الشمس, والشمس ستهوي مع بقية النجوم
إلى مركز المجرة, والمجرات ستهوي جميعاً لتتجمع في نقطة واحدة, معيدة بذلك
الوضعية الأولى التي بدأ منها الكون وفق نظرية (الانفجار الأكبر). قد تكون
هذه نهاية الكون في غضون (70) مليار سنة قادمة, عندما تتباطأ حركة الأجرام
السماوية, ويكون تمدد الكون واتساعه قد استهلك طاقته بنفسه. لكن الاهتمام
بما سيحدث بعد (70) مليار سنة ليس مهما الآن, وإن هذه الفترة, إذا أضيفت
إلى الفترة التي انقضت منذ ولادة الكون, التي يقدرها العلماء بحوالي (12)
مليار سنة, هي فترة كافية لظهور وازدهار ملايين الحضارات العاقلة, على
ملايين الكواكب في أرجاء الكون.
السبب الثالث الذي يجعل الكون
آمناً هو تفاعلات الاندماج لنوى الهيدروجين في باطن النجوم التي تبث
الطاقة, ويتخلف عنها الهليوم كرماد. يمكن تشبيه النجوم, ومنها الشمس
بقنابل هيدروجينية جبارة, من حيث أن التفاعلات فيها هي التفاعلات نفسها
التي تجري في القنابل الهيدروجينية على الأرض, لكنها لا تنفجر بمجرد
وصولها إلى درجة الوميض النووي كما يحدث لهذه القنابل, بل تبث إشعاعاً
مستقراً خلال ملايين السنين؟ السبب في ذلك أن النجوم, ومنها الشمس, تحرق
الهيدروجين النقي أو الخفيف, بينما نستعمل في القنابل الهيدروجينية
النظائر الإشعاعية الأثقل للهيدروجين والتي ندعوها (دوتريوم) و(تريتيوم).
إن
تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين النظيف أبطأ مليار مرة من تفاعلات
الهيدروجين الثقيل, ولو أن النجوم أحرقت الهيدروجين الثقيل لانفجرت قبل أن
تولد, ولما وجد الكون أصلاً.
من جهة أخرى نجد نظير الهيدروجين
(دوتريوم) متوفراً في ماء المحيطات على الأرض, مما سيوفر مصدراً غنياً من
مصادر الطاقة للإنسان مستقبلاً إذا أحسن استخدامه.
إن الحديث عن
مصادر الطاقة على الأرض, يقودنا إلى الحديث عن مصادر الطاقة الأحفورية من
فحم ونفط, التي بقيت أحقاباً طويلة مدفونة قرب السطح الذي حفظها من
التأكسد بفعل العوامل الجوية, وكأن هناك تصميماً كونياً في تخزينها وحفظها
مئة مليون سنة من التغيرات الجيولوجية والمناخية, حتى إذا جاء الوقت
المناسب, وتوفرت التكنولوجيا الملائمة لاست***جها, وجدناها سهلة المنال.
ثم تعرفنا على تطويع النظائر المشعة (كاليورانيوم) لإنتاج الطاقة, فوجدنا
أن هذه النظائر تنتظرنا أيضاً منذ أن وجدت الأرض, ليس هذا فحسب, بل إن
تحولها الإشعاعي المنتظم من شكل إلى آخر, أمكن استخدامه في معرفة التاريخ
الطبيعي للأرض.
يتوقع أن تنضب مصادر الطاقة الأحفورية خلال مئة سنة
قادمة, أما مصادر الطاقة الأخرى فلن تكفي احتياجات المدنية المتنامية من
الطاقة مستقبلاً، لكن المدنيات الإنسانية في المستقبل البعيد لن تعدم
الوسيلة لاستثمار مصادر الطاقة والمواد الأولية التي تنتظرها في الأرض وفي
الفضاء, بحيث تستفيد إلى الحد الأقصى من الطاقة الإشعاعية التي تبثها
النجوم, أما الظواهر الكونية الخارقة, التي مازالت غامضة بقدر ما هي
رائعة, كالكواكب الدُّرّية (Quasars), والنجوم النيوترونية (Pulsars), و
الثقوب السوداء (Black Holes) فستتعلم المدنيات مستقبلاً كيفية التعامل
معها, والاستفادة من طاقتها الجبارة فيما هو نافع ونظيف, مستفيدة من
التجارب المريرة التي عاشتها مدنيات أخرى سخرت الطاقة الذرية لقتل
الإنسان, ونفثت دخان مصانعها ورمادها الذري في خضرة الأرض وأعماق
المحيطات, وطبقة الأوزون سماً قاتلاً.
إن العلوم النظرية اليوم هي تقنيات الغد, وأفضل طريقة للانتصار على الطبيعة تكمن في إطاعتها.