لم
ينكأ الفيلم الإيراني "اغتيال فرعون" جرحاً مندملاً في العلاقات
المصرية/الإيرانية، لكنه أعاد فقط التذكير بأسباب العداوة بين نظامي
الخميني والسادات وكشف عن استمرار العداء الذي يبديه الأول للأخير حتى بعد
مقتل السادات بنحو 27 عاماً، وحجم البغضاء التي يبديها أتباع "إمام الدم"
مثلما يسميه مؤلف الفيلم المصري للرئيس المصري الراحل الذي استضاف شاه
إيران ببلاده في وقت كانت إيران خميني تضغط على الولايات المتحدة
الأمريكية لاسترداده وهو ما رفضه الرئيس محمد أنور السادات.
وربما
كان يظن بعض الدبلوماسيين المصريين أن مسألة إزالة اسم قاتل السادات
الملازم خالد الإسلامبولي من أحد شوارع طهران الرئيسية هو أمر هين يمكن
معالجته بسهولة في ضوء المصالح التي تجمع البلدين كقوتين إقليميتين
إحداهما عربية والأخرى فارسية، بيد أن الواقع كذب هذه التكهنات التي لم
تكن في الحقيقة تستند إلى أي دليل، بل زادت الأمر توكيداً بعد إنتاج
الفيلم الذي لم تنفِ إيران بصورة رسمية ضلوعها في إنتاجه؛ فالإيرانيون
الرسميون سيظلون غاضبين على الرئيس المصري في قبره لأنه يوماً ما استضاف
الشاه الراحل، وأياماً تترى قد عبر بصراحة عن رأيه في الثورة الإيرانية
وفند ـ وفقاً له ـ مسألة تعلق الثورة بالإسلام إلى حد السخرية منها وفي
خطابات علنية لا تقل عن خطابات الخميني ثورية، ولا تدانيها جراءة.
الذي
يلفت الانتباه في خطابات الرئيس السادات الأخيرة (قبل مماته) أنه حمل بشدة
عديمة النظير على النظام الإيراني لحد الإدانة العلنية والاستهزاء العلني،
والذي يلفت في المقابل أن هذه السخرية لم تزل مرارتها باقية في أفواه
الملالي حتى اليوم، وإن كان بوسع حكام إيران أن يقولوا إن حنقهم على
السادات مرده إلى "خيانة" السادات وفق تعبير فيلمهم؛ فإن أنصاره ومحبيه
قادرين على تصدير مبررات أخرى لها وجاهتها في التعبير عن مكنون العداوة
وخفايا الكراهية.
والمبررات جاهزة وقوية، وليس لأحد أنت ينكرها؛
فالرئيس المصري الراحل كان أكثر الحكام في العالم العربي خلال سني الثورة
الخمينية استخفافاً بها، وأكثرهم جرأة على نقدها، وحديثه عنها كان الأكثر
صراحة من بين جميع من انتقدوا سياسات إيران في العالم من رؤساء الدول،
والأهم في ذلك أنه عبر من حيز التعاطي السياسي إلى النقد العقدي
والأيديولوجي المباشر الذي مس مقدسات إيرانية لم يتجاسر أحد على التعرض
لها من قبل ولا من بعد، بل العجيب أن نقد السادات لنظام إيران كان بمثابة
وصية ألقاها السادات على مسامع الجماعات الإسلامية المصرية قبل مقتله
بخمسة أيام فقط.. نعم لم يكن بين الموت وبين هذه الكلمات التالية في حياة
السادات سوى 120 ساعة فقط عندما وجه وصيته تلك قائلاً (باختصار):
"بقيت
كلمة أخيرة لي .. عايز أوجهها لأولادي في الجماعات الإسلامية .. النهاردة
ورسمياً طالع من إيران إنه في الثلاث شهور اللي فاتوا مجموعة الذين أعدموا
1429 في ثلاثة أشهر ده مين .. الجمهورية الإسلامية والدستور الإسلامي
والدولة الإسلامية (..) أهه الخميني .. هل يصدق أحد أنه في ثلاثة أشهر فقط
1429 يقتلوا .. ده بيان رسمي من عند الخميني (..) وده بقى عندهم بيقولوا
الله أكبر .. الخميني أكبر ورئيس الجمهورية بيروح يبوس أيد الخميني علشان
يأخد منه جواب التعيين حسب الدستور الإسلامي .. الدستور الإسلامي بقى عايز
واحد يتحط ورئيس الجمهورية يروح يبوس أيده .. ده اللي حصل .. الدولة
الإسلامية بيقول إيه المعصوم .. أصله معصوم هناك عندهم زي الأنبياء وأكثر
.. بيقول أن الاغتيالات تقوي الجمهورية ده النهارده في جميع الصحف أقرأوها
.. الاغتيالات تقوي الجمهوريات .. القتل وسفك الدماء والخراب اللي عمله كل
ده .. يقوى الجمهورية (..) وكل ده في صالح الجمهورية للإمام المعصوم .. "
السادات
إذن سخر من نظام خميني واستخف بكونه نظاماً إسلامياً، وتحدث بصراحة عن
قضية المعصومية، وزاد من قبل باستضافة عدو الثورة الإيرانية/الشاه السابق
معتبراً أن "الشعب بأسره يشعر بالفخار من أجل ما صنعت لشاه إيران، وإلا ما
كنت مكثت على قمة السلطة، إنها أخلاقي وتقاليدنا وأنها لتبدأ من القرية
وهي أن أي شخص يطلب منك المساعدة لابد لك أن تساعده على الفور، وخاصة إذا
كان عربياً أو مسلماً. لا لم يكن الأمر كذلك لأنه عربي أو مسلم أو مسيحي،
ولكن الأمر أن القرآن طالب بل أنه أمر بذلك.. إن هذا هو كنه الإسلام وليس
إسلام الخميني" [مؤتمر صحفي للرئيس السادات 9 سبتمبر 1981، أي قبل مقتله
بأقل من شهر]..
على أن عدم تسليم الشاه لإيران كان السبب الأول
وراء احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين بسفارتهم، وعدم استجابة السادات
لرغبات الملالي حينها، كان مبرراً قوياً حينها لقطع العلاقات المصرية
الإيرانية، حيث لم يكن في مقدور الثورة الإيرانية أن تحاكم الشاه حضورياً،
ما سحب منها مسعى سياسياً كانت تهفو إليه، غير أن المبرر الذي سيق حينها
لقطع العلاقات كان بسبب انخراط السادات في عملية "سلام" مع "إسرائيل"،
يسعى إليها الآن بعض أركان المحور الإيراني، وهو ما فسره السادات في خطاب
لاحق شهير (14 سبتمبر 1981) حيث قال:
"والله أنا لما اتكلمت مع إسرائيل اتكلمت على الترابيزة قدام العالم كله،
وعلشان نعيش في ود وأخذنا أرضنا وبنتفاوض علشان نحط الفلسطينيين على
الطريق السليم.. لكن خميني اللي بيدعي كان بيهاجم الفلسطينيين بقى له 3
أيام بيدعي، لكن باتفاق وبيأخذ قطع الغيار وأسلحة وطعام من إسرائيل.. لكن
في الغرف المغلقة على طريقة إخواننا العرب إياهم".
ما بين
السادات والخميني ما طرق الحداد بالتأكيد؛ فهو ناقد في خطاب لـ"التقية"،
ومدين في آخر للقتل الذي واكب الثورة في بدايتها، وساخر من إدعاء العصمة
من الخميني، وداعم قوي للعراق (على حدود إيران الغربية) في حربه مع
إيران/الخميني، وأيضاً لـ"المجاهدين الأفغان" على تخوم إيران من الشرق،
وحانق بشدة على من يدافعون على الثورة الإيرانية في مصر، محذراً الجماعات
الإسلامية التي كان معظمها حينئذ يدافع عن الخميني وثورته، بل واستند على
فكرة "إسلامية" الثورة الإيرانية ليخون الرئيس السادات، وهو ما حاول
السادات في آخر أيامه إيضاحه ـ من دون جدوى ـ للمعارضة الإسلامية، التي
رآها الرئيس الراحل قد غررت إيرانياً، وقد كان معظمها حينئذ كذلك إلا
قليلاً، ولم تمر أيام على ذلك حتى كان السادات مضرجاً بدمائه، بعد أن نفذ
خالد الإسلامبولي، ما يقول الفيلم الإيراني أنه "إعدام ثوري للخائن
السادات".. فأي "ثورة" اغتالت السادات، وبأي طريقة "ثورية" نفذ
"الإعدام"؟.. وأي حلم كان يراود "الثورة"؟!
العربية نت .....