لمحات من تاريخ الطب القديم
منذ
وجود الانسان على هذا الكوكب رافقه المرض ونشأ الطب في هذا العالم من
الحاجة التي دفعه إليها المرض وبدأ الانسان يلاحظ في سلوك الحيوانات
المدفوعة بالغريزة وهي تلتمس الشفاء، فالغنم عندما ترعى نبتة معينة يصيبها
الإسهال والكلاب تعمد إلى التهام الزربيح وتنقطع عن الطعام إذا مرضت،
ولاحظ الأوائل في العصور القديمة أن الدب يحفر في جذور السرخس والذئب إذا
لدغته حية يعمد إلى جذور الترياق فيمضغها فتشفيه وفأر المسك يضمد جروحه
بصمغ الشوكران ويفعل مثله الدب أيضاً وقد يغطي الجرح بنبات التنوب،
والضباع
إذا أصيبت بالجراح تمرغت فوق نبات الطيون وتتمرغ الوحوش فوق تراب بيوت
النمل للتخلص من القراد، كما تحشو القردة جروحها بأوراق النباتات العطرية
لاحتوائها على زيوت عطرية تطهر الجروح والدب الوحشي يأكل ثمر العليق ليعقب
اسهالاً ويمتنع عن الطعام وإذا أصيبت الحيوانات آكلة العشب بالإسهال أكلت
لحاء الشجر ليوقف الإسهال لما فيه من التانين القابض وذوات القرون والطيور
تبحث عن الماء الجاري وفتات المحار والأمثلة كثيرة.. لقد عرف قدماء
المصريين أنواعاً من العلاج العلمي الناجح المنظم لأمراض كثيرة والعلم
الحديث لم يوفق إليها إلا بعد جهد مضني مستطيل وظل بعضها عصيّاً على العلم
كالتحنيط مثلاً.
وقد وجدت بعض أوراق البردي التي كتبت منذ اربعة
الاف سنة كورقة كاهون وهي تبحث في أمراض النساء وورقة برلين الكبرى وورقة
هيرست وقد وجد فيها ماينطبق بالضبط على الطب الحديث بالوزن والمقادير
المحددة وتعليمات تعاطي الدواء ووقت أخذه وبعض الدعوات السحرية التي يقصد
بها الإيحاء الذاتي وفي ورقة ايبرس وغيرها وفيها على سبيل المثال علاج
الثعلبة والقرع أن الشعر يجب أن يقتلع أولاً ثم يدهن بدم العظاية
(السحلية) وغيرها وأن يدهن جسم الطفل في المواضع التي لايرغب أن ينبت فيها
الشعر بدم الوطواط ولعلاج العين يقطر فيها حليب امرأة ترضع ذكراً وكبد
الثور للعشى الليلي واثبت الطب الحديث أن العشى الليلي نتيجة نقص
الفيتامينات ويفيد الكبد في ذلك وقد استعمل المصريون دم الثور المحروق
لعلاج الإسهالات وهو فحم حيواني ويتحول إلى مادة كربونية ويكافح الانتفاخ
والتعفن في الأمعاء. والعسل والسمن والتبخير والاستنشاق وغيرها...
وسرعان ماوضعت النظم والقوانين واصبحت مهنة الطب في ايدي الكهنة ورجال
الدين وازدهر الطب في ذلك العصر، ونرى في نقوش الأسرة الخامسة صورة كاهن
كتب عليها إنه رئيس الأطباء وكان لكل طبيب اختصاص وقد برعوا في معرفة
الاحشاء من خلال رؤيتها أثناء التحنيط لأنهم يفصلونها عن الجسم ويضعونها
في أوعية خاصة ويحافظون على سلامتها لاعتقادهم أن الروح ستعود ويجب أن
تكون سليمة عند البعث.ومن اطبائهم أمحوتب وكان وزيراً للملك (زوسر)
والطبيب أبوتي في الأسرة التاسعة عشرة وتضمنت كتبهم وآثارهم تعويذات
وترنيمات سحرية لطرد الأرواح الشريرة..ووجدت طرق لعلاج الأسنان والثدي
وكسور العظام والبرص والجذام وعضة الحيوانات ولسع العقارب والأفاعي وغيرها
الطب في الحضارة العربية
استخدم
الأطباء العرب العرعر مدراً للبول وامراض الكلى والمثانة والحنظل طارداً
للديدان ومسهلاً والصمغ لعلاج الاسهال والكبريت للجرب وبذر الكتان للآلام
والأورام والالتهابات وقشر الرمان للديزنتاريا والخشخاش لتسكين الآلام
والمغص والمر والنعناع والعفص وزهر اللوتس. وكان ذلك في مصر وبابل
والجزيرة العربية وبلاد الشام، حيث برع الفينيقيون في الإيحاء الذاتي
واستلهام القوة العظمى من أجل الشفاء وكان الكهان والعرافون يستخدمون
الرقي والتعاويذ وتقديم الذبائح والقرابين والتوجه بالدعاء للآلهة
التماساً للشفاء وتواصلوا مع هذا إلى طب هدتهم اليه خبرتهم اليومية
واستعانوا بالعقاقير وكان أكثرها مستمداً من الأعشاب والنباتات ويؤخذ
شرباً، وكان العسل كثيراً مايستخدم في معالجة الأمراض الباطنة وفي الجراحة
استخدموا الحجامة والعصر والكي بالنار فقامت النار عندهم مكان المطهرات
والطب الحديث واستعانوا بها على جراحات البتر وغيرها... واطلق العرب في
جاهليتهم على الأطباء لقب الحكماء وعلى الذين يفصلون في قضايا وخلافات
الناس، وكان الحكيم عندهم يجمع بين العلم والتجربة والنفوذ، وأشهر هؤلاء
الحارث بن كلدة توفي 634م (13 هجري) ومن جراحيهم ابن أبي رمثة ومن
بيطرييهم العاص بن وائل السهمي، وحكم الحارث بن كلدة مشهورة يقول عن
المرض: دافع بالدواء ماوجدت مدفعاً. ولاتشربه إلا من ضرورة فإنه لايصلح
شيئاً إلا أفسد مثله. وقال عند احتضاره لا تتزوجوا النساء إلا من شابة
ولاتأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها ولايتعالج أحدكم ما احتمل بدنه
الداء. وقد نهى عن الاستحمام بعد الطعام وأوصى بالتخفف من الديون
والهموم وسأله معاوية يوماً: ما الطب ياحارث فقال: الجوع وهذا جواب خاص
فقد كان معاوية أكولاً. وسألوه عن الدواء فقال ما لزمتك الصحة فاجتنبه.
فإن هاج فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه فإن البدن بمنزلة الأرض اذا
اصلحتها عمرت وإذا تركتها خربت لذلك كانت صناعة الطب عند العرب محترمة في
الجاهلية.. فلما اعتنقوا الإسلام لم يجدوا بالاشتغال بالطب مايهدد عقيدتهم
وأبطل الاسلام الكهانة والعرافة. إذاً لاكهانة بعد النبوة وتم الفصل بين
صناعة الطب ورجال الدين وبطل طب الكهان وتمهد الطريق الى طب الخبرة وامتدح
القرآن الكريم الحكمة.. والطب من ضروب الحكمة وسلم النبي الكريم صلى الله
عليه وسلم بطب الأبدان وحث على الاشتغال به لمن استطاع إليه سبيلاً، قال:
« ياعباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا ووضع له دواء،
إلا واحداً هو الهرم» وورد في الحديث إن العلم علمان علم الأديان وعلم
الأبدان فارتفع الطب بهذا الى مرتبة رفيعة واستمر الطب قائماً في ظل
الاسلام وفي رعاية نبيه صلى الله عليه وسلم بل أثرت مجموعة من الأحاديث
النبوية وهي قرابة ثلاثمئة حديث شكلت مايسمى بالطب النبوي.